تبدأ قصة نيلامبور عائشة التي كانت أول فنانة مسرحية مسلمة في كيرلا مع ذكرياتها عن صوت إطلاق رصاص ناري فاتها في ذلك الصباح القاتل في عام 1953، ما أجبرها على الفرار من وطنها واللجوء إلى المملكة العربية السعودية بحثا عن مكان آمن للعيش والكسب دون أن تخبر أحدا من أصحابها في الحزب الشيوعي والفريق المسرحي.
تروي دموع عائشة قصصا أكثر مما تُروى على الشاشة. وبينما تحزم حقائبها للعمل كخادمة منزلية في السعودية تخبر ابنتها عن احتمال عدم عودتها أبدًا.
تتغير نظرتها للحياة عندما تقابل ماما في قصر لعائلة ملكية. لا نستطيع أن نقول إن عائشة فيلم سيرة ذاتية لأنها لا تروي رحلة حياتها الكاملة، لكن قرار المخرج بالتركيز على هذه المرحلة من حياتها يجعلها رواية رائعة. يذكرنا الفيلم بأحد الأفلام الإيرانية التي تتحدث بشكل مؤثر عن البقاء والتفاؤل والهوية. وتأخذنا الدراما إلى مشاعر الأمل مع الألم والخيانة والرحيل واللحظات قبل الموت والعلاقة السحرية بين البشر التي لا حدود لها.
نرى حياتها في القصر الذي تعمل فيه كخادمة ويحتل ذلك القصر مركز الصدارة في فيلم “عائشة” وهو العمل الأول للمخرج الجديد عامر باليكال.
نجد في هذا الفيلم شخصيات متنوعة للغاية لكون القصة تقع في الشرق الأوسط حيث يصل أشخاص من أصول ولغات مختلفة بحثًا عن مراعي حياة أفضل. قامت ماما (منى) مالكة القصر بدورها بشكل جميل كربة البيت صاحبة الكلمة النهائية . وتسعدنا من خلال نشاطها على الرغم من الألم الذي تعانيه مع الممثلة منجو وارير التي تلعب دور البطلة كأنهما تعيشان على الشاشة.
قد استطاعت منجو وارير أن ترسخ شخصية عائشة في أذهان الجمهور. فقد كان أدائها من أفضل الأدوار التي قدمتها . إنها تشارك كيمياء رائعة مع منى التي تلعب دور ماما في الفيلم، رباطهما يكسر التوقعات النمطية للشخصيات النسائية على الشاشة، فهما تعتمدان على بعضهن البعض وتستمتعان بصحبتهن.
كما أدى جميع الممثلين الآخرين، بما في ذلك كريشنا سانكار، دورهم بأفضل صورة. وتذكرك الطاولات المصممة باحتراف وأشكال الطعام والتآخي بين الخادمات بتلك الأفلام الإنجليزية التي تدور أحداثها في المنازل الأرستقراطية. أدهشنا المصور السينمائي بعمله الرائع، وكانت الأغنية الراقصة الهندية العربية بالتأكيد إضافة جيدة لأنها جسدت حالة مزاجية للقصة.
بعض الحوارات في الفيلم رائعة للغاية، مثل قول عائشة أنها ليست عبدة لماضيها أو صاحبة مستقبلها. كما نفرح أكثر عندما ندرك الجوهر الحقيقي لشخصية نيلامبور عائشة، بالإضافة إلى روعة طريقة تصوير الشخصيات العربية. بالنسبة لشخص لا يعرف شيئا عن المملكة العربية السعودية يستطيع أن يفهم الكثير عن طبيعة حياة الناس وأخلاقهم المثالية في ذلك البلد الطيب من خلال هذا الفيلم.
كما تم تصوير الشعور بالوحدة والمصاعب التي تعاني منها امرأة عجوز، والتي تكافح مع المرحلة الأخيرة من حياتها، بشكل جميل، ما فتح أعيننا على نضالات كبار السن في سنواتهم الأخيرة. خلافا للأفلام العادية، لا يركز هذا الفيلم على أشكال الأشخاص الجسدية ويظهر جانبًا مختلفًا من شخصياتهم، يتضح هذا بوضوح من الطريقة التي تتحدث بها ماما وتتعامل مع عائشة.
على الرغم من أن النصف الأول كان مليئًا بالأحداث، إلا أن النصف الثاني من الفيلم هو الذي يركز أكثر على الجانب العاطفي والترابط بين عائشة وماما.
والجدير بالذكر أن صديقي نسيم حمزة من ولاية كيرلا قام بتعريب المحادثات بين الأسرة السعودية والخادمات مع مراعاة خصائص اللهجة السعودية السائدة، ولكن الشيء الذي لا أفهمه أنه لماذا استخدمت اللهجة الشامية في بعض أجزاء المحادثات في النسخة العربية والتي لا تليق بروعة الفيلم وجمال قصتها.
ليس هنالك أدنى شك في أن الفيلم عبارة عن تكريم لنيلامبور عائشة بشكل يمكن للسينما المالايالامية أن تفتخر به إلى الأبد.