
الشاعر د. شهاب غانم: جسر ثقافي بين الإمارات والهند
مقدمة: في عالمٍ تتقاطع فيه الثقافات وتتداخل المعارف، يقف الشاعر الإماراتي د. شهاب غانم كجسرٍ بين العلوم المختلفة والثقافات المتنوعة. بأسلوبه الفريد الذي يمزج بين العمق الفكري والبساطة الوجدانية، استطاع غانم أن يحلّق بالشعر العربي إلى آفاق عالمية، وأن يبني جسراً ثقافياً بين اللغة العربية واللغة المليالامية. في هذا الحوار الحصري، تستضيف الإعلامية ياسمين الشاعر د. شهاب غانم لتكشف عن رؤيته للعالم من خلال عدسات متعددة: الهندسة والاقتصاد والأدب، وعلاقته المميزة مع الهند وولاية كيرالا.
ياسمين: مسيرتك المهنية تمتد عبر الهندسة والاقتصاد والأدب. كيف ترى تقاطع هذه التخصصات وتأثيرها المتبادل في حياتك المهنية؟
شهاب غانم: الاهتمام العميق بعدة تخصصات يُثري نظرة الإنسان وفهمه للعالم. فأنت ترى الأمور من زوايا ومنظورات مختلفة بعقلٍ أكثر انفتاحاً وتسامحاً وتفهماً. وتبدأ بالتفكير خارج الصندوق بشكل أكثر تكراراً.
ياسمين: تُرجمت أشعارك إلى ٢٠ لغة وتحولت إلى أغانٍ قدمها فنانون مثل سامي يوسف. ما الذي يجعل شعرك جذاباً بشكل عالمي عبر الثقافات المختلفة؟
شهاب غانم: قصائدي التي تحولت إلى أغانٍ هي قصائد حب وقصائد روحانية وبعض القصائد الوطنية والحماسية. هذه المواضيع عادةً ما تجذب الكثير من الناس. بالإضافة إلى ذلك، شعري سهل الفهم وغالباً ما يكون ذا إيقاع موسيقي. الأغاني تمنح الشاعر انتشاراً أوسع بكثير من قصائده المنشورة، رغم أن الجمهور عادةً ما يعرف المغني وليس كاتب الأغنية. لكن تركيزي ينصب على الشعر نفسه، الذي قد يكون موجهاً إلى مجموعة نخبوية أصغر بكثير من محبي الشعر.
ياسمين: يُلاحظ أن لك علاقة خاصة بالهند وخاصة ولاية كيرالا. كيف بدأت هذه العلاقة وما سر هذا الارتباط الثقافي العميق؟
شهاب غانم: بدأت علاقتي مع الأدب المليالامي بعدما ترجمت في الصحف العربية بعض قصائد من ديوان ساتشيداناندان المترجمة إلى الإنجليزية. وقد أهداني رام موهان، شاعر من كيرالا كان يعمل في الإمارات، كتاباً يحوي ترجمات إلى الإنجليزية لكبار شعراء كيرالا المعاصرين وعرفني على عدد من الشعراء المقيمين في الإمارات الذين أصبحوا من أصدقائي وزاروني في منزلي وقدموا لي دواوينهم، خصوصاً المترجمة إلى الإنجليزية. كانت تلك بداية علاقة ثرية مع الأدب المليالامي والتي تستمر حتى اليوم.
كما أن ترجماتي الشعرية في الصحف والمجلات الإنجليزية أكسبتني شهرة أدبية واسعة لدى القراء من غير العرب المقيمين في دول الخليج مثل الهنود. وفي عام 1971 تم تكريمي من قبل جمعية ثقافية هندية تدعى كيرالي كلاكيندرم في دبي مع الشاعرة الكبيرة كمالا داس (ثريا) من كيرالا والتي كانت مرشحة لجائزة نوبل.
ياسمين: حصولك على جائزة طاغور للسلام وضعك في مصاف المفكرين العالميين المناصرين للسلام والإنسانية. كيف ترى دور الأدب في حل النزاعات والحوار بين الثقافات؟
شهاب غانم: الشعر يمكنه أن يلامس روح الناس الذين لم يفقدوا ضمائرهم، وبالتالي يساعد في جعلهم أكثر وعياً وأكثر فاعلية في الاتجاه الصحيح لصالح العدالة والإنسانية.
ياسمين: أنت أول شخصية عربية تحصل على جائزة طاغور العالمية للسلام. كيف أثر الأدب الهندي في تجربتك الشعرية، وهل ترى تشابهاً بين رسالتك الشعرية ورسالة طاغور؟
شهاب غانم: الأدب الهندي بشكل عام له تأثير عميق في تجربتي الشعرية. وأعتقد أن هناك تشابهاً كبيراً بين رسالتي ورسالة طاغور في التأكيد على الإنسانية المشتركة وتجاوز الحدود الثقافية والدينية. فطاغور كان يؤمن بأن الشعر جسر للتواصل بين الثقافات، وهذا ما أسعى إليه في أعمالي. حصولي على جائزة تحمل اسمه هو اعتراف بهذا التقارب الفكري والروحي بين تجربتينا الشعريتين رغم اختلاف الثقافة واللغة.
ياسمين: في عالم يزداد استقطاباً، هل تعتقد أن الشعر لديه القدرة على جسر الانقسامات الأيديولوجية والثقافية؟ إذا كان الأمر كذلك، فكيف؟
شهاب غانم: كما ذكرت سابقاً، من خلال لمس الأرواح وكشف المظالم.
ياسمين: أنت شاركت في تأسيس مهرجان “القلب الشاعر”، وهو منصة للشعراء العالميين. كيف تضمن بقاء الشعر ذا صلة في عصر تهيمن عليه المحتويات الرقمية وقصر مدى الانتباه؟
شهاب غانم: الشعر مطلوب بشكل أكبر في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، والسرعة، والانفجار السكاني، وقصر الانتباه، ليمنح التوازن للإنسان في العالم الحديث الذي تهيمن عليه المادية.
ياسمين: لقد قمت بترجمة العديد من الأعمال الأدبية من المليالامية إلى العربية. هل يمكنك أن تحدثنا عن بعض هذه الترجمات ودورها في بناء جسر ثقافي بين العالم العربي والهند؟
شهاب غانم: نعم، بدأت مشروعية الترجمة بشكل مستمر عندما كنت مديراً للدائرة الهندسية في موانئ جبل علي بعد إنهاء الدكتوراه في مجال التنمية الصناعية من بريطانيا. كنت أترجم في ركن أسبوعي في صحيفة خليج تايمز قصيدة من شعري أو من الشعر العربي المعاصر إلى الإنجليزية لعدة سنوات، ثم انتقلت إلى جلف نيوز وصحف ومجلات أخرى.
أول كتاب لي من ترجمات الشعر الهندي كان بعنوان “قصائد من كيرالا” نشرته الدائرة الثقافية في الشارقة عام 2005. يحوي الكتاب خمسين قصيدة لسبعة وعشرين شاعراً وشاعرة من مشاهير شعراء كيرالا مثل بالاماني أما، وشانجامبوزا كرشنا بيلاي، وكمالا ثريا، وك. ساتشيداناندان، وغيرهم.
بعدها أصدرت “كيف انتحر مايكوفسكي” وهو مجموعة مختارة ودراسة بسيطة لخمسين قصيدة لساتشيداناندان. ثم ترجمت المجموعة الشعرية “يا ألله” للشاعرة كملا ثريا ونشرها مشروع “كلمة” للترجمة بعنوان “رنين الثريا” عام 2011، وتعبر هذه المجموعة عن تجربة فريدة لشاعرة هندية كبيرة ظلت مرشحة لجائزة نوبل للآداب، كانت تبحث لعقود طويلة عن حقيقة الوجود وعبرت فيها عن فرحتها باعتناق الإسلام.
وأخيراً، أصدرت “مختارات من شعر كيرالا المعاصر” عام 2019، يحوي 130 قصيدة لـ 62 شاعراً وشاعرة من شعراء كيرالا المعاصرين. وقد اخترت القصائد التي يمكن أن تهم القارئ العربي والتي تشكل جديداً بالنسبة له.
ياسمين: تم تكريمك من قبل رئيس وزراء كيرالا لخلقك جسراً ثقافياً بين اللغة المليالامية واللغة العربية. ما أهمية هذه الجسور الثقافية في عالمنا المعاصر؟
شهاب غانم: هذه الجسور الثقافية مهمة جداً في عصرنا لأنها تذكرنا بأن العلاقات بين الشعوب أقدم وأعمق من الحدود السياسية الحديثة. هناك روابط تاريخية قديمة بين منطقة الخليج العربي وكيرالا تعود إلى آلاف السنين، فقد كانت هناك تجارة نشطة عبر المحيط الهندي منذ عصور ما قبل الإسلام.
أنا أؤمن بأن الثقافة الإماراتية مزيج غني من التأثيرات العربية والآسيوية والأفريقية، وهذا ما يجعلها ثقافة منفتحة بطبيعتها. في أعمالي، أحاول دائماً استكشاف هذه الجسور الثقافية وإبراز المشترك الإنساني بين الثقافات المختلفة.
ولذا تم تكريمي في أغسطس 2014 في تريشور، العاصمة الثقافية لكيرالا، من قبل وزير الثقافة جوزيف في أكاديمية الآداب بحضور رئيس الأكاديمية الروائي الكبير سوراداران وكبار أعضائها. ونفس السنة تم تكريمي بيد أومن شاندي رئيس وزراء ولاية كيرالا في حفل ضخم حضره أربعة آلاف شخص في تريفاندرام عاصمة ولاية كيرالا.
ياسمين: لقد كنت مناصراً للإنسانية في شعرك. كيف توفق بين هذا وبين التوترات السياسية المتزايدة المحيطة بالهوية والقومية؟
شهاب غانم: القومية والهوية ليست مشاكل. المشاكل هي أمور مثل العنصرية، والظلم، واستغلال الضعفاء، والتنمر، وما إلى ذلك.
ياسمين: هل يمكنك أن تشاركنا إحدى قصائدك التي كتبتها عن الهند أو كيرالا؟
شهاب غانم: نعم ٫ يشرفني أن أشارك قصيدة “جائزة طاغور”
طاغور يا أيها الصوفيُّ تمنحني
للسلمِ جائزةً والشعرِ والأدبِ
لو كنتَ حيّا لسرنا في الدروب معاً
نمجد الله في ناسٍ وفي كتبِ
هل كنت تعرف أن الله خالقنا
فردٌ له المجد في هندٍ وفي عربِ
بل في شعوب الدني في الكون قاطبةً
وفي السماوات والأرضين والشهبِ
وأن أسماءه الحسنى قد اشتملت
على السلام، وأهل الظلم في حرَب
يسعون للقمع والطغيان في صلفٍ
تبَّت يداهم كما أيدي أبي لهبِ
والمقسطون لدى الرحمن منبرهم
نورٌ كما في أحاديثٍ لخير نبي
طاغورُ يا أيها الصوفيُّ يجمعنا
حب السلام وكره الظلمِ والكذبِ
والحب يجمعنا والشعرُ يطربنا
لو أدرك الناسُ ما في الشعرِ من طربِ
كُرِّمتُ باسمك يا طاغورُ حين رأى
أتباعك الغرّ ما في الشعرِ من نسبِ
(منحت جائزة طاغور للسلام عام 2012 وكنت وما زلت حتى اليوم أول عربي ينالها)
ياسمين: خضعت صناعة النقل البحري لتغييرات كبيرة بسبب الأتمتة والذكاء الاصطناعي. بناءً على خبرتك في موانئ دبي العالمية، كيف تتوقع أن يشكل الذكاء الاصطناعي لوجستيات الموانئ في العقد المقبل؟
شهاب غانم: الذكاء الاصطناعي حقيقة واقعة وسيلعب دوراً أكبر وأكبر طوال الوقت. ينبغي على العالم أن يتعاون أكثر فأكثر للتأكد من استخدام الذكاء الاصطناعي لمصلحة البشرية وعدم السماح باستخدامه لإيذاء البشرية. هذا لن يكون سهلاً في عالم يسوده الجشع. يجب على الدول الرائدة أن تتعلم كيفية تنظيم منافستها الشرسة.
خاتمة: يقف د. شهاب غانم اليوم كسفير للأدب المليالامي في ساحة الأدب العربي، وجسر ثقافي بين الإمارات والهند. من خلال ترجماته العديدة التي ضمت أعمال أكثر من 60 شاعراً وشاعرة من كيرالا، استطاع أن ينقل للقارئ العربي ثراء وعمق الثقافة الهندية. وقد تُوجت جهوده بالتكريم من قبل رئيس وزراء كيرالا وأكاديمية الآداب، تقديراً لدوره في مد جسور التواصل بين الثقافتين.
في زمن الأتمتة والذكاء الاصطناعي، تظل كلمات الشاعر ناقوس يقظة يدعونا للتمسك بإنسانيتنا وقيمنا المشتركة. وكما تجسد علاقته العميقة مع كيرالا، فإن الجسور الثقافية التي يبنيها د. شهاب غانم تُذكّرنا بأن التاريخ الإنساني أعمق وأغنى من الانقسامات المعاصرة، وأن الشعر قادر على مخاطبة القلوب بلغة تفهمها جميع الشعوب.