Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تعليم

أبو صالح: رمز التفاني والإبداع في خدمة اللغة العربية

في زوايا بيتٍ متواضع بأبوظبي، يجلس أبو صالح أنيس لقمان الندوي، بين رفوفٍ مكتظة بالكتب التي لا تترك له مكانًا للجلوس إلا بالكاد. هو رجل هندي من ماليغاؤن، عاشقٌ للغة العربية لدرجة أنه تخلَّى عن لغته الأم، الأوردية، لأجلها. إن قصة عشق أبي صالح للعربية هي حكاية حبٍّ ممتدة منذ الطفولة، حيث كانت بدايتها عندما كان في العاشرة من عمره. في هذه الفترة، صادفت اللغة العربية قلبه الخالي، فأحبها وصار يتحدث بها مع نفسه ومع الآخرين رغم أنهم لم يكونوا يفهمونها.

حديث تلفزيوني مع أبي صالح عن صداقة الإمارات والهند تم بثه على الهواء من قناة دبي عشية زيارة صاحب الشيخ محمد بن زايد آل نهيان كضيف الشرف الرئيس في يوم الجمهورية الهندية…

رحلة العشق مع العربية

يقول أبو صالح: “أخلصت للعربية ولم أخن عهدي بها مذ تمكنت من قلبي. هي الحبيب الأول الذي نقلت له فؤادي حيث شئت من الهوى، ما الحب إلا للحبيب الأول”. هذه الكلمات ليست مجرد أبيات شعرية بالنسبة له، بل هي حقيقة عاشها طوال حياته. إنه يؤمن أن العربية ليست مجرد لغة، بل هي عشق يتجدد يومًا بعد يوم.

مدرسة بيت العلوم بماليغاؤن- أول منازل رحلة أبي صالح مع الضاد

تحديات وصعوبات

لم يكن الطريق إلى إتقان اللغة العربية سهلاً. فقد واجه أبو صالح تحدياتٍ جمة بسبب فقر عائلته وقلة الدعم المعنوي من محيطه الاجتماعي والمدرسي. كما كانت الكتب العربية الراقية والوسائل التعليمية نادرة، وأسلوب التدريس التقليدي في الهند لم يكن فعّالًا. لكنه تغلب على كل هذه الصعوبات بتكريس وقته وجهده لتعلم اللغة، متخذًا من القرآن الكريم مصدرًا رئيسيًا لإثراء حصيلته اللغوية.

نماذج من كتابة أبي صالح

أساليب مبتكرة للتعلم

ابتكر أبو صالح أساليب خاصة لتعلم اللغة العربية. يقول: “قررت قراءة القرآن بنبرة عالية، محاولاً تجسيد نوع الكلمة أو الجملة بإيقاع جرس الصوت. كنت أحاول تمثيل الأدوار بنفسي، مما ساعدني على استخدام التراكيب والتعابير القرآنية في مواقف الحياة اليومية”. هذه الطريقة كانت بمثابة انغماس لغوي فردي، مكنته من تطوير مهاراته اللغوية بشكل ملحوظ.

تجربة التعليم الذاتي

من خلال تجربة التعليم الذاتي، طوّر أبو صالح منهجًا لتعليم اللغة العربية يعتمد على القرآن الكريم. يهدف هذا المنهج إلى تنمية مهارة المحادثة وجعل العربية أداة التخاطب في كافة المراحل التعليمية. يقول أبو صالح: “القراءة الجهرية المستمرة للقرآن الكريم وأي مادة مقروءة مع التركيز على الفهم كانت نقطة الانطلاق الحقيقية في رحلتي نحو الطلاقة اللغوية”.

تحديات عدم توفر المواد السمعية

يقول أبو صالح: “عدم توافر المواد السمعية الملائمة أخر تقدمي في التحصيل لكنه لم يجعله مستحيلاً. لو كانت تلك المواد متوفرة لتمكنت من إتقان اللغة العربية في فترة مبكرة جدًا”. رغم ذلك، تمكن أبو صالح من تخطي هذه العقبة بفضل شغفه وإصراره.

نصائح للمتعلمين

ينصح أبو صالح الطلاب الراغبين في تعلم اللغة العربية بأن يقرأوا بنهم ولا يملوا، وأن يحرصوا على الفهم والتطبيق بشغف دون الخوف من الأخطاء. “اقرأ بنهم ولا تمل.. واحرص على الفهم ولا تكل.. ثم طبق ما تقرأ بشغف ولا تبال بأخطاء قد تقع فيها أو بسخرية من حولك”.

مشروع ورشة العربية

يعتبر أبو صالح مشروع “ورشة العربية” جهدًا رائدًا في مجال تيسير وتعليم اللغة العربية. ويقول: “محتواه شائق وممتع ويراعي التدرج ونفسيات مختلف الفئات العمرية والخلفيات الثقافية. أسأل الله أن يوفق القائمين على هذا المشروع”.

قصة الكتاب والقراءة

لدى أبي صالح علاقة وطيدة بالكتب، حيث يرى أن الكتاب أغلى ما في الحياة. يتذكر موقفًا مؤثرًا عندما اشترى له والده كتابًا عن السيرة النبوية رغم عدم امتلاكه سوى مبلغ الكتاب. هذا الموقف كان درسًا له بأن القراءة هي الثمن الأغلى في الحياة.

الحب للإمارات

عاش أبو صالح في الإمارات منذ عام 1996، ويعبر عن حبه لهذا البلد الطيب. يقول: “أستشعر جمالية التعايش وروح التسامح التي أرستها الإمارات بفضل الأب المؤسس، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه”. هذه الروح هي التي جعلت من أبو صالح يندمج في المجتمع الإماراتي بكل حب واحترام.

تكريم وإنجازات

أبو صالح أنيس لقمان الندوي، رئيس إدارة البحوث والترجمة في مؤسسة سدرة لدمج أصحاب الهمم، يتمتع بالعديد من الإنجازات البارزة في مجال اللغة العربية. شملت إنجازاته قيادة فريق تطوير مناهج اللغة العربية، والعمل مع مئات المعلمين والمعلمات، والحصول على عضوية فخرية في لجان إعداد وتطوير المناهج بوزارة التربية والتعليم. كما شغل منصب مستشار تربوي في العديد من المدارس الهندية والدولية، وكان أول غير عربي يحصل على ترخيص لتعليم اللغة العربية في الإمارات. قام بترجمة تفسير القرآن الكريم من الأوردية إلى العربية، وشارك كعضو في لجنة تحكيم جائزة الشيخ محمد بن راشد للغة العربية، بالإضافة إلى ترجمة أقوال الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى الأوردية. طوّر منهجًا تعليميًا يعتمد على القرآن الكريم لتنمية مهارة المحادثة، وله مقولات شهيرة تعكس عشقه العميق للغة العربية، مثل “اكسر عظامي ولا تكسر المنصوب” و”لئن تشتمني بالفصحى أحب إليّ من أن تمدحني بالعامية”. شارك في العديد من الفعاليات والندوات التعليمية والثقافية، مؤثرًا في جيل جديد من الطلاب والمعلمين.

خاتمة

إن قصة أبي صالح أنيس لقمان الندوي هي ملحمة من الحب والتفاني للغة العربية. رغم التحديات والصعوبات، استطاع أن يجعل من اللغة العربية عشقه الأول وأن يساهم بشكل فعّال في تعليمها ونشرها. يقول أبو صالح: “اللغة العربية ليست صعبة بل تعلمها مثل تعلم سائر العلوم والفنون والمهارات فهي لا تعطيك بعضها حتى تعطيها كلك… والعلم كما قال العلماء قديماً لا يُنال براحة الجسم”. هذه الكلمات تختصر رحلة رجل أخلص للعربية وجعل منها جزءًا لا يتجزأ من حياته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى