أبو الحسن الندوي عالم رباني وداعية مستنير
أبو الحسن الندوي هو عالم مسلم، لم ينشأ في بلاد العرب، تكلم العربية وكتب بها، وأسمعت كلماته العرب والعجم، وأثّرت دعوته السمحة في الناس؛ لقوة عاطفته وربانيته وإيمانه، قال عنه الشيخ القرضاوي: “كان الشيخ الندويّ واحدًا من هؤلاء الأفذاذ، الذين بعثهم الله لهذه الأمة؛ ليجددوا لها دينها، ويعيدوا إليها يقينها، وينهضوا بها لتؤدي رسالتها”.
أبو الحسن الندوي… اسمه ونسبه
هو أبو الحسن علي بنُ عبد الحي بنِ فخر الدين بن عبد العليّ الندوي، وينتهي نسب أسرته إلى محمد بن عبد الله الحسني المثنى بن الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ ولذلك اشتهرت الأسرة بالحسنية.
أبو الحسن الندوي… مولده ونشأته
وُلد الشيخ أبو الحسن الندوي في بلاد الهند بقرية (تكيَّة) التابعة لمديرية (راي بريلي)، وهي تبعد عن (لكهنو) ثمانين كيلو مترًا، وذلك في المحرم سنة 1332هـ/ 1914م، ونشأ في أسرة عربية كريمة، ترجع أصولها إلى الحسن بن علي رضي الله عنهما.
وكان أبوه علاّمة الهند ومؤرخها، وهو السيد عبد الحي بن فخر الدين الحسني، صاحب المصنّفات المشهورة، منها: “نُزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر” في تراجم علماء الهند وأعيانها، طُبع أخيرًا باسم: “الإعلام بمن في تاريخ الهند من الأَعلام” في ثمانية مجلدات، و”الهند في العهد الإسلامي”، و”الثقافة الإسلامية في الهند”. وأول من جاء إلى الهند من أجداد الأسرة هو الأمير السيد قطب الدين محمد المدني (581-677هـ)، عن طريق بغداد وغزنة في أيام فتنة المغول، وذلك في أوائل القرن السابع الهجري مع جماعة من أصحابه. ورحل والد أبو الحسن الندوي وهو دون العاشرة من عمره، وتولى رعايته بعد رحيل والده: أمُّه وأخوه الأكبر.
تزوج الشيخ أبو الحسن الندوي عام 1934م، ولم يرزقه الله أولادًا.
أبو الحسن الندوي… سيرته العلمية
بدأ أبو الحسن الندوي تعلُّم العربية على يد الشيخ خليل بن محمد الأنصاري اليماني عام 1342هـ/ 1924م وتخرَّج عليه، كما استفاد في دراسة اللغة العربية وآدابها من عمَّيْه: الشيخ عزيز الرحمن، والشيخ محمد طلحة، والتحق بجامعة “لكهنو” بالهند في القسم العربي عام 1927م، وكان أصغرَ طُلاب الجامعةِ سِنًّا، والتحق بدار العلوم لندوة العلماء عام 1929م، ودرس اللغة الأردية وتوسع في آدابها، كما عكف على دراسة الإنجليزية والقراءة بها.
واستفاد الشيخ الندوي من الصحف والمجلات العربية الصادرة في البلاد العربية -والتي كانت تصل إلى أخيه الأكبر، أو إلى دار العلوم ندوة العلماء- مما عرَّفه على البلاد العربية وأحوالها وعلمائها وأدبائها ومفكّريها عن كثب. ويُذكر أنه أقام عند العلامة المجاهد حسين أحمد المدني عام 1932م في دار العلوم “ديوبند” عدة أشهر، وحضر دروسَه في “صحيح البخاري” و”سنن الترمذي”، واستفاد منه في التفسير وعلوم القرآن الكريم أيضًا. كما استفاد من الشيخ الفقيه الأديب إعزاز عليّ في الفقه، ومن الشيخ المقرئ أصغر عليّ في التجويد على رواية حفص.
وبدأ الشيخ أبو الحسن الندوي يتوسع في المطالعة والدراسة -خارجًا عن نطاق التفسير والحديث والأدب والتاريخ أيضًا- بداية من عام 1937م، واستفاد من كتب المعاصرين من الدعاة والمفكرين العرب، وفضلاء الغرب، والزعماء السياسيين.
من أثّروا في حياة الشيخ الندوي
وقد تأثر في حياته بالشيخ محمد إلياس الكندوهلي، مؤسس جماعة التبليغ والدعوة، والإمام الشهيد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، كما تأثر الندوي أيضًا بالشاعر والمفكر الإسلامي محمد إقبال، والشيخ الرباني عبد القادر الرائيبوري.
قالوا عن الشيخ الندوي
قال عنه د. مصطفى السباعي: “الندوي.. ذخرٌ للإسلام ودعوته، وكتبه ومؤلفاته تتميز بالدقة العلمية، وبالغوص العميق في تفهم أسرار الشريعة، وبالتحليل الدقيق لمشاكل العالم الإسلامي ووسائل معالجتها”.
وقال عنه المفكر الشهيد سيد قطب: “الندوي.. رجل عرفته في شخصيته وفي قلمه، فعرفت فيه قلب المسلم، وعقل المسلم، وعرفت فيه الرجل الذي يعيش بالإسلام وللإسلام، على فقه جيد للإسلام.. هذه شهادة لله أؤديها”.
وقال عنه الشيخ عبد العزيز بن باز: “الندوي.. العلامة المفضال”. وقال عنه الشيخ محمد الغزالي: “هذا الإسلام لا يخدمه إلا نفس شاعرة محلِّقَة، أما النفوس البليدة المطموسة فلا حظَّ لها فيه… لقد وجدنا في رسائل الشيخ الندوي لغةً جديدةً، وروحًا جديدةً، والتفاتًا إلى أشياء لم نكن نلتفت إليها”.
الجوائز التي حصل عليها الشيخ الندوي
حصل على جائزة الملك فيصل العالمية لخدمة الإسلام عام 1980م، مُنح جائزة الشخصية الإسلامية في رمضان 1419هـ من حكومة الإمارات العربية، كما منحته المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسسكو isesco) وسام “الإيسسكو” من الدرجة الأولى؛ تقديرًا لعطائه العلمي المتميز، وإكبارًا للخدمات الجليلة التي قدمها إلى الثقافة العربية الإسلامية في الرباط في 25 شعبان 1421هـ.
أهم مؤلفات الشيخ أبي الحسن الندوي
بلغ مجموع مؤلفاته وترجماته 700 عنوان، منها 177 عنوانًا بالعربية، وقد تُرجم عدد من مؤلفاته إلى الإنجليزية والفرنسية والتركية والبنغالية والإندونيسية وغيرها من لغات الشعوب الإسلامية الأخرى، ومن أبرزها: “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين”، “مذكرات سائح في الشرق العربي”، “ربانية لا رهبانية”، “المد والجزر في تاريخ الإسلام”، “المسلمون في الهند”، و”رجال الفكر والدعوة في الإسلام”.
زهد الشيخ أبو الحسن الندوي
لقد كان الشيخ الندوي يرفض المكافآت التي تُعطى لأمثاله في مقابلة جهود يقوم بها، وهي مشروعة ويقبلها غيره من العلماء، ولكنه أَلَى على نفسه أن يقدِّم ما عنده من علم وجهد لله تعالى، لا لعَرَضٍ من الدنيا.
يُحكى أنه عندما دُعي إلى سوريا، أستاذًا زائرًا لجامعة دمشق، ولكلية الشريعة فيها خاصَّة، في عهد عميدها الداعية الفقيه الدكتور مصطفى السباعي، ألقى عددًا من المحاضرات المهمة العميقة، تعب عليها، وبذل جهدًا لا يُنكر في إعدادها، وكان لها تأثير عميق ووقع مشهود بين الأساتذة والطلاب، وكان موضوعها “التجديد والمجددون في تاريخ الإسلام”، وهي التي ظهرت بعد ذلك تحت عنوان: “رجال الفكر والدعوة في الإسلام”. وعلى عادة الجامعة صُرفت له مكافأة، كما تُصرف لكل الأساتذة الزائرين، وهنا كانت المفاجأة؛ فقد رفض الشيخ الندوي أن يأخذ مكافأة على محاضراته!! ولم يجد الإداريون والماليون في الجامعة حلاًّ إلا أن يتبرع به للطلاب الفقراء… وغير ذلك من الأمثلة الكثير.
وفاة الشيخ أبي الحسن الندوي
تُوُفِّي الشيخ أبو الحسن الندوي في يوم الجمعة، وذلك في شهر رمضان المبارك أثناء اعتكافه بمسجد قريته (تكية) بمديرية (راي باريلي) في شمال الهند سنة 1419هـ/ 1999م، وجرى دفنه مساء نفس اليوم، في مقبرة أسرته بالقرية في حضور الأقارب والأهالي، وبعض مسئولي ندوة العلماء، التي ظل مرتبطًا بها طيلة حياته الحافلة بالجهاد والدعوة، طوال 86 عامًا هي عمره رحمه الله. وقد توالت التعازي من مختلف أنحاء الهند والعالم، وأقيمت عليه صلاة الغائب في مختلف العالم العربي والإسلامي