Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
ثقافة وحياةسفر وسياحة

كيرلا: مزيجٌ ساحر من الطبيعة والتراث

د. عيسى علي الحوري

يسعدني أن أكتب بعض العبارات والجمل وأتحدث فيها عن تجربتي في الهند، وبالتحديد في ولاية كيرلا، حيث عشت فيها مع أسرتي لمدة تصل إلى حوالي تسع سنوات. والحديث عن كيرلا ممتع، وقد أحتاج إلى أكثر من مقال لكي أتحدث عن تجربتي بكل تفاصيلها على مستويات مختلفة: التعليم، الثقافة والعادات، وبساطة الناس، واللغة، والطبيعة والمناخ، والتعايش والتسامح الديني، وغير ذلك. سأتحدث في مقالي هذا عن طبيعة ومناخ ولاية كيرلا، ومن هنا ستكون الانطلاقة.

فالحديث عن كيرلا وطبيعتها ومناخها قد يكون ضربًا من الخيال، فكيرلا تتمتع بتلك الطبيعة الملهمة، التي تبعث في القلب بهجة وفي النفس راحة، وتملأ العين جمالًا، وتسقي الشعور العطشان ليرتوي منها. في الحقيقة، ولاية كيرلا ليست من الولايات الكبيرة في الهند مساحة وسكانًا، ولكنها بسعة قلوب أهلها وابتسامتهم البريئة المنبثقة من بين محياهم، تتسع لجميع الزائرين والقادمين إليها من داخل الهند (من الولايات الأخرى) وخارجها. فهي تتمتع بتضاريسها المختلفة وطقسها المتنوع وسواحلها الممتدة على حدود البحر العربي وسهولها الواسعة وجبالها الشاهقة وأشجارها الكثيفة والباسقة وفواكها اللذيذة ومياهها العذبة.

هناك مناطق تمتاز بطقس بارد وخاصة التي في أعالي الجبال كمنطقة وايناد ومونار وبونمودي، ومناطق تمتاز بطقس حار ومنها كاسركود وبالاكاد، ومناطق تمتاز بطقس معتدل منها تريفندرام وكولم وكوتشي. أما الأشجار والأعشاب، فهي حكاية لوحدها، أتذكر أنه عند تحليق الطائرة في سماء مدينة تريفندرم لتهبط في المطار حين قدومي الى كيرلا لأول مرة وذلك في عام 2015م، نظرت من على نافذة الطائرة ولم تلاحظ عيناي سوى غابة ممتلئة بالأشجار الباسقة والبحيرات الكثيرة وبالكاد استطعت رؤية البيوت لأن الأشجار وخاصة أشجار جوز الهند (النارجيل) وأشجار فاكهة الجاك (جاك فروت) التي تحيط بالبيوت وتسحر فعلاً الناظرين إليها. الأشجار التي تملؤ الحارات والأحياء السكنية تزين البيئة بالإضافة إلى الخاصية الأكثر أهمية وهي استنشاق الهواء النقي والمشبع بالأكسجين الذي تمدنا به الأشجار. أضف إلى حمايتها للناس والمواشي من حر الشمس وغزارة الأمطار. الحكومة والمؤسسات والمنظمات في كيرلا تشجع الناس على زراعة النباتات والحفاظ على الأشجار لأهمية ذلك للبيئة. ولذا البيوت محاطة بالأشجار والنباتات والبساتين الجميلة.

ومما انذهلت منه هو حينما كنت أرى صاحب البيت الذي كنا نسكن عنده في بعض الأيام وهو بيده الصحيفة، التي تصله يومياً إلى بيته، وبعض من الأكياس البلاستيكية الصغيرة وبداخلها بذور، فسألته عن ذلك، فرد “زكريا” صاحب البيت قائلاً: “هذه بذور تصرف مجاناً من وقت إلى آخر من مركز الصحيفة لتحفيز وحث الناس على الزراعة”. ومن الأشياء المذهلة والتي يتمتع بها أصحاب كيرلا هي وجود بئر بجانب كل بيت وفي بعض البيوت بئرين وهذه نعمة من الله عليهم. يفتقد هذه النعمة الكثير من الشعوب والدول ولذا على أصحاب كيرلا أن يقابلوا هذه النعمة بالشكر لله والحفاظ عليها فهي تستحق الحفاظ والصون لأنه إذا كنت في نعمة فأرعها فإن المعاصي تزيل النعم….. فالمشاتل تتناثر في أماكن كثيرة وتباع فيها النباتات وبأسعار منخفضة بحيث يسهل على الجميع الشراء وتجميل البيئة بتلك النباتات. كما تتمتع ولاية كيرلا بوفرة مختلف أنواع الفواكه وأكاد أجزم أن جميع أصناف الفواكه موجودة في كيرلا بالإضافة الى بعض الفواكه التي لم أراها أو أتذوقها من قبل في وطني اليمن السعيد. وهناك فاكهة لذيذة جداً وحجمها كبير حتى أني لم أراها من قبل ولم أجد حتى المكافئ اللفظي اللغوي لها في اللغة العربية وهي (جاك فروت).


ومن العجب العجاب هو أننا في اليمن نعرف أن هناك فاكهة اسمها “موز” وفاكهة اسمها “مانجا” وعندما تذهب إلى السوق في اليمن لتشتر موزاً فإن هناك نوع واحد من الموز وانتهى الأمر، ولكن في كيرلا فالأمر يختلف تماماً حيث أنك حين تذهب للسوق أو للبسطة لشراء موزا فيسألك البائع: أي نوع من الموز؟ فهناك العديد من أنواع الموز والتي تختلف حجماً ولوناً واسماً وسعراً أيضاً. وفي كيرلا خضروات كثيرة ومتنوعة وتتوفر على مدار السنة. تذهلك أماكن كيرلا بجمالها وسحرها، فهي إحدى القبلات السياحية والتي يهرول إليها الناس من الهند ومن خارجها ليستمتعوا بطبيعتها الخلابة. ففي ولاية كيرلا “كشمير الفقراء” (بونمودي) وهذا مكان مرتفع جداً على قمة جبل حيث ترى كل الأماكن حول ذلك الجبل من على تلك القمة. الجو في بونمودي يشبه جو كشمير والضباب يملأ المكان والناس تستلذ ذلك البرد وخاصة أن معظم مناطق كيرلا إما أن تتمتع بجو معتدل أول حار. فهناك مناطق على عدد الأصابع تتمتع بمناخ بارد وغائم، ولا أزال أذكر حين دعاني صديقي الحميم “نوشاد في” لزيارة منطقته في مقاطعة وايناد والتي تشتهر بوجود النحل وتوفر العسل الطبيعي فيها. ذهبت مع أسرتي وعندما وصلنا على مشارف المقاطعة كانت قلوبنا تتراقص وتريد الخروج من السيارة وتستمتع بتلك المناظر الخلابة، لبثنا هناك لمدة يومين ولكن كأنها ساعة أو بعض ساعة. منطقة مونار واحدة من الوجهات المفضلة للسائحين والزائرين من داخل كيرلا وخارجها. هي منطقة تمتاز ببرودة الجو ووجود الهواء النقي الذي ينعش الرئتين ويريح القلب وينشط الجسم وينقلك الى عالم الحب والخيال والمتعة والجمال.


تمتاز منطقة مونار بزراعة شجرة الشاي، فحقول الشاي تزين مونار من مدخل المنطقة حتى نهايتها وعند النظر إلى الحقول لأول مرة يتخيل للناظر أنها رؤوس بشر قص شعرها بعناية وترتيب محكم فلا توجد شعرة أطول من الأخرى. هناك حوالي 44 نهراً في كيرلا ولك أن تتخيل هذا العدد الكثير من الأنهار، أما البحيرات فهي كثيرة جداً جداً. فهذه الأنهار تتوزع على كل أرجاء الولاية وتزينها وأما الجزر فهناك جزر كثيرة وممتعة ويمكن الوصول إلى معظمها عبر القوارب.

هناك العديد من السدود الكبيرة والعملاقة والتي تستخدم لري النباتات وتوليد الطاقة ولكن في عام 2018م، وعام 2019م شهدت الولاية فيضانات مما تسببت في الدمار والموت والهلاك، لقد تضررت البيوت والناس والممتلكات وسأتكلم عن هذا الموضوع باستفاضة في مقال آخر. وفرة السمك في كيرلا ورخص أسعارها توحى بغنى البحر والأنهار والبحيرات بالثروة السمكية. معظم الناس في كيرلا يفضلون أكل السمك ويفضلون في الحقيقة الأكلات الطبيعية. شجرة جوز الهند من الأشياء التي لا أستطيع الحديث عن كيرلا دون ذكرها. فهناك ماء جوز الهند الذي يباع على قارعة الطريق أو في الأسواق وماء جوز الهند مفيد للمعدة ويساعد في عملية الهضم. ويتم استخراج الزيت من جوز الهند بطريقة خاصة إما في البيوت أو في الشركات.

وأريد أن أختم كلامي بالحديث عن فاكهة الجاك والتي أعتبرها أكبر فاكهة في العالم وهي أكثر فاكهة توجد بداخلها بذور كثيرة، وهذا غيض من فيض وإلى لقاء آخر لنتحدث فيه عن التعايش والتسامح الديني في ولاية كيرلا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى