
عبقرية تحت المجهر: كيف قاد درْس الكون الفتى هابيل إلى الإيمان بالخالق؟
في قلب السجالات العلمية والفكرية المعاصرة، يبرز تساؤل قديم متجدد: هل يُقوّض العلم الإيمان، أم أنه يقود إليه؟ إنها معادلة فلسفية معقدة، فككها ببراعة استثنائية شاب هندي صغير من ولاية كيرالا لم يتجاوز الثالثة عشرة من عمره. قصة هابيل أنور، الفائز بمنحة جامعة جورج ميسون المرموقة في مجال الفيزياء النظرية، لم تقتصر على إنجازه العلمي المذهل، بل تحولت إلى صرخة في وجه التعصب الفكري، بعد أن أعلن بكل ثقة أن دراسته للكون قادته إلى قناعة راسخة بوجود خالق عظيم.

الإنجاز العلمي والجدل الفكري
اكتسب هابيل أنور شهرة واسعة بعد فوزه بمنحة “إيميرجنت فينتشرز” (Emergent Ventures) من مركز ميركاتوس التابع لجامعة جورج ميسون الأمريكية، وقدرها $10,700، تقديراً لأبحاثه المتقدمة في الفيزياء، وتحديداً حول مفهوم “الثقب الأبيض”. وفي حين احتفت به وسائل الإعلام كنموذج للتعلم الذاتي، خاصةً بعد مسيرة تعليمية غير تقليدية بدأت بتحديات في التركيز، سرعان ما تحول الاحتفاء إلى جدل محموم على منصات التواصل الاجتماعي.
لم ينبع الجدل من ورقاته البحثية الأربع التي تناولت موضوعات معقدة مثل النسبية الكمومية ونظرية الأوتار الفائقة، بل من تعبيره الصريح عن رؤيته الكونية. ففي أحد اللقاءات الإعلامية، وكرد فعل على بعض الاستفسارات والتعليقات المثارة حول أفكاره، أعلن هابيل بكل وضوح أن تعمقه في دراسة الفيزياء والكون قد منحه قناعة عميقة بضرورة وجود “مُنشئ” أو “مُنظِّم” لهذا الوجود المتكامل.

عندما تُشير الفيزياء إلى الخالق: النظام والتعقيد
إن النقطة المحورية في رؤية هابيل، والتي أثارت حفيظة البعض، هي استنتاجه الإيماني الذي انبثق مباشرة من منهجه العلمي. لم يكن بيانه إعلاناً إيمانياً تقليدياً، بل كان استنتاجاً مستنداً إلى “نظام الكون” (The Order of the Universe) و**”الضبط الدقيق”** (Fine-Tuning) الذي يكتشفه الفيزيائيون.
لقد أكد هابيل أن دراسته لتعقيدات الكون وتركيبته المحكمة، دفعته للاستنتاج بأن هذا النظام “المُحكم والمنظم” (Systematic and Regulated) لا يمكن أن يكون قد ظهر بشكل عشوائي أو تلقائي. هذا النوع من الاستدلال، الذي يرى في النظام الكوني دليلاً على وجود مُنظم له، هو تقليد فكري عريق يتبناه كثير من العلماء عبر التاريخ.
هابيل لم يقل إن العلم يثبت وجود الله بالمعنى التجريبي، بل قال إن العلم “أقنعه” بوجوده. إنها قناعة شخصية، تولدت من تحليل البيانات الكونية، تختلف عن تلك القناعات التي تتوصل إلى أن الكون “بين لي أنه لا يوجد أحد خلفه”، وهي قناعة شخصية أخرى. وكما أشار المعلقون على قصته، فإن العلم – بحد ذاته – لا يقرر الوجود أو العدم، بل يصف كيف يعمل الكون (How the Universe Works)، أما استخلاص رؤية كونية شاملة، فهو يقع ضمن الرؤية الفلسفية للباحث.

دفاع عن حرية الرؤية الكونية
ما أثار الاستغراب هو الهجوم الشرس الذي تعرض له هابيل، ليس لخطأ في معادلاته الفيزيائية، بل لمجرد أن استنتاجه الفلسفي لم يتماشَ مع سردية منتشرة تقول إن العلم يجب أن يكون حصرياً في خدمة الإلحاد.
لقد أصبحنا في زمن، وكما ورد في تحليل قضيته، يُستخدم فيه العلم كغطاء “لنشر الإلحاد” على نطاق واسع. وعندما يأتي طفل، أظهر تفوقاً غير عادي في الفيزياء، ويعلن أن دراسة الكون قادته إلى الإيمان، يُنظر إليه على أنه “مشكلة” يجب “إلغاؤها” (Cancel) أو إلقاؤها لـ “الذئاب” على وسائل التواصل الاجتماعي.
هذا الهجوم هو مؤشر على وجود تعصب فكري مقلق يرفض الرؤى الكونية التي تفتح “مجالاً للخالق” (Scope for God). إنها عقلية لا تختلف كثيراً عن تلك التي سادت في فترات تاريخية معينة، حيث قاوم بعض المنتمين لأيديولوجيات معينة نظريات علمية (مثل نظرية الانفجار العظيم Big Bang، التي تشير إلى وجود بداية للكون، وبالتالي تفتح الباب أمام فكرة الخالق) لمجرد أنها تتعارض مع معتقداتهم الراسخة حول “نظرية الحالة المستقرة” (Steady State Theory).
لقد أثبت التاريخ أن أعظم العقول العلمية لم تجد تناقضاً بين إيمانها وعلومها:
- إسحاق نيوتن: وضع قوانين الحركة والجاذبية، وكتب بإسهاب عن الإيمان واللاهوت.
- ألبرت آينشتاين: رغم رؤيته الخاصة لمفهوم الإله، إلا أنه كان يؤمن بـ “إله سبينوزا”، معجباً بالنظام الرياضي والانسجام في الكون.
إن ما قاله هابيل لم يأتِ بجديد لم يعرفه علماء العصر الذهبي للفيزياء، بل أكد فقط أن هذه القناعة لا تزال قائمة في القرن الحادي والعشرين.
دعوة إلى النضج والإنصاف
في الختام، يجب النظر إلى هابيل أنور ليس كباحث صغير أخطأ في تعبيره، بل كعبقرية صاعدة تحتاج إلى التقدير والتحفيز. من غير المنطقي، وكما ورد في التعليق، أن يُطلب من فيزيائي عمره 13 عاماً أن يكون عمله “مُتقناً ومُعصوماً من الخطأ” بمستوى حاصل على درجة الدكتوراه. إذا كانت هناك أخطاء علمية في حديثه، فيجب الإشارة إليها بكل احترام.
لكن تحويل اختلاف في الرؤية الكونية إلى هنجة إعلامية لتمزيق سمعة طفل، هو دليل على النضج الفكري المتدني في الساحة العامة. إن هابيل أنور يمثل نموذجاً للجيل القادر على الجمع بين أقصى درجات العقلانية العلمية وأسمى مراتب الفكر الفلسفي. قصته ليست مجرد قصة منحة ودراسة، بل هي درس عن حرية العقل في أن يستنتج ما يراه حقاً، حتى لو خالف التيار السائد. يجب أن نحتفي بعبقريته، ونحمي حقه في التعبير عن قناعاته الفلسفية والروحية التي استخلصها من أعماق أسرار الكون.



