بقلم : مروة حسن ، مصر
في كل مساء، تتوقف الحياة في ملايين البيوت العربية عند التاسعة تماماً. ليس من أجل نشرة الأخبار أو مسلسل محلي، بل لمتابعة حلقة جديدة من “مكانك في القلب هو القلب كله”. قد بدأت قناة “زي ألوان” عرض الموسم التاسع من هذا المسلسل الذي أصبح أشبه بطقس يومي لدى المشاهدين العرب.
لست مضطراً لفهم اللغة الهندية لتدرك أن براتشي تعاني، أو أن رانبير محتار بين حبيبتين. الدموع والابتسامات والموسيقى التصويرية تتكفل بإيصال المشاعر عبر حاجز اللغة. هكذا نجحت الدراما الهندية في اختراق قلوب لا تعرف من الهند سوى بوليوود والكاري.
الأمر بدأ منذ سنوات عندما اكتشفت القنوات العربية أن الجمهور يلتهم هذه المسلسلات بشراهة غريبة. فجأة، صارت أسماء مثل إيكتا كابور وكريشنا كول مألوفة في البيوت العربية أكثر من نجوم الدراما المحلية.
ما يحدث ليس مجرد مشاهدة عادية، بل تماهٍ كامل. تجد النساء في الأحياء الشعبية يتحدثن عن شخصيات المسلسل كأنهن جارات حقيقيات. “ريا هذه لا تستحق رانبير” تقول أم محمد وهي تشرب الشاي. و”لو كنت مكان براتشي لما سامحته” تضيف جارتها بحماس.
التأثير تجاوز الشاشة إلى الشارع. في محلات الأقمشة بدأت تظهر أقمشة “هندية الطراز”، وفي صالونات التجميل صار الزبائن يطلبون “تسريحة هندية”. حتى حفلات الزفاف لم تسلم من هذا التأثير، حيث أصبحت العرائس يرقصن على أغانٍ هندية ويرتدين الساري في إحدى فقرات العرس.
الغريب أن هذه المسلسلات تقدم عالماً مثالياً لا يشبه الواقع الهندي نفسه، لكنه يشبع حاجة نفسية عميقة لدى المشاهد العربي. العائلات الممتدة التي تجتمع حول مائدة واحدة، والحب الذي يصمد رغم المؤامرات، والخير الذي ينتصر في النهاية دائماً.
بعد أحد عشر عاماً من العرض، لا يزال “مكانك في القلب هو القلب كله” يحتفظ بجماهيريته، رغم أن قصته أصبحت أطول من “ألف ليلة وليلة”. 129 حلقة في الموسم الواحد تبدو رقماً مخيفاً، لكنها بالنسبة للمعجبين مجرد بداية لليلة أخرى من السهر مع أحبائهم في مومباي.
في النهاية، نجحت الدراما الهندية في شيء لم تحققه حتى الدبلوماسية: جعلت ملايين العرب يشعرون بالحب تجاه بلد لم يزوروه قط، ويبكون من أجل أشخاص لا يعرفونهم في الحقيقة. هذا هو السحر الحقيقي للفن عندما يتجاوز الحدود والثقافات ليصل مباشرة إلى القلب.
