
روابط خالدة: رؤية الشيخ حمدان للعلاقات الإماراتية الهندية
بقلم الدكتور عبد الرب
تتجاوز الزيارة الرسمية الأولى لصاحب السمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع الإماراتي، إلى الهند أبعاد المهام الدبلوماسية التقليدية، لتعكس عمق الروابط التاريخية بين البلدين.
وعبّر سموه قبيل زيارته عن مشاعره تجاه الهند قائلاً: “عندما أزور الهند، أشعر كأنني في وطني.” فليست الأرقام وحدها – كوجود ٣.٨ مليون هندي في الإمارات – ما يعكس عمق هذه العلاقة، بل تاريخ طويل من الروابط الثقافية والاقتصادية التي امتدت عبر قرون من التبادل التجاري والتراث المشترك والعلاقات الأسرية.
علاقات متجذرة عبر الأجيال
ترتبط أسرة آل مكتوم بالهند بوشائج تاريخية راسخة. فقد كان جد سموه الأكبر، الشيخ سعيد بن مكتوم آل مكتوم، يقصد الهند للعلاج في بدايات القرن العشرين، ويطيل إقامته فيها لشعوره بالراحة والطمأنينة.
أما جده الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، فعزز هذه العلاقة بإصداره أول رخصة تجارية هندية في بر دبي في الستينيات. واليوم، يشكل رجال الأعمال الهنود ركيزة أساسية في المشهد الاقتصادي الإماراتي.
وتؤكد الاكتشافات الأثرية عراقة هذه العلاقات، حيث عُثر في موقع سروق الحديد الأثري في دبي، الذي يعود تاريخه إلى ٣٠٠٠ عام، على خرز وقطع خزفية هندية الصنع، مما يدل على عمق التبادل التجاري وجذور الثقة المتبادلة.
وشائج إنسانية وثقافية
يجد الشيخ حمدان في الثقافة الهندية الغنية والحيوية صدى خاصًا، حيث قال: “دفء الضيافة الهندية وحيوية شعبها جزء من وجداني.”
وكشاهد عايش الإمارات لخمسة وثلاثين عامًا، لمست شخصيًا عمق هذه العلاقة. فخلال عملي الصحفي مع مجموعة الأبحاث والنشر السعودية، رأيت كيف يُعامل الهنود – سواء كانوا مستشارين أو متخصصين في قطاع الضيافة – كأفراد من العائلة في المجالس والدواوين الرسمية. هذه الروح الأصيلة هي ما جعلت الإمارات وطنًا ثانيًا للملايين من الهنود.
رؤية مستقبلية للتعاون
تجاوزت العلاقات الإماراتية-الهندية البعد العاطفي لتشكل شراكة استراتيجية متكاملة. فقد رفعت اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة حجم التبادل التجاري إلى ٨٤.٥ مليار دولار في ٢٠٢٣-٢٠٢٤، مع طموح لبلوغ ١٠٠ مليار دولار قريبًا. وتعكس استثمارات الإمارات البالغة ٧٥ مليار دولار في البنية التحتية الهندية عمق هذه الرؤية المشتركة.
وتغطي الشراكة بين البلدين مجالات حيوية عديدة:
الفضاء: تعاون استراتيجي بين مركز محمد بن راشد للفضاء والوكالة الهندية للفضاء.
التقنية المالية: تكامل رقمي متطور عبر منصات UPI وNEOPAY.
التعليم: إنشاء فروع لمؤسسات هندية عريقة مثل المعهد الهندي للتكنولوجيا والمعهد الهندي للإدارة في الإمارات.
قطاعات المستقبل: مبادرات مشتركة في مجالات الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة.
روابط شعبية وامتزاج ثقافي
تتجلى قوة العلاقات بين البلدين في مظاهر يومية متنوعة، من مباريات الكريكيت في ملاعب دبي، إلى أفلام بوليوود التي تُصوَّر في ربوع الإمارات. حتى شاي الكرك أصبح جزءًا من الثقافة الإماراتية، تمامًا كالقهوة العربية، ليعكس هذا المزيج الفريد بين الثقافتين.
مستقبل مشترك
وبينما تسعى الهند لتحقيق رؤيتها “فيكسيت بهارات ٢٠٤٧” والإمارات لبلوغ “مئوية ٢٠٧١”، لخص الشيخ حمدان روح هذه العلاقة قائلاً: “العظمة لا تُورث – بل تُكتسب بالعمل الجاد والابتكار.”
من المراكب الشراعية التقليدية إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي، تطورت علاقات البلدين لتصبح نموذجًا للتحالف الاستراتيجي المستقبلي. وكما وصفها سموه ببلاغة: “الهند تمتلك العمق، والإمارات تقدم السرعة، ومعًا نبني جسور المستقبل.”
أجندة الزيارة
تشمل زيارة سمو الشيخ حمدان لقاءات مهمة مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، ووزير الخارجية الدكتور جايشانكار، ووزير الدفاع راجناث سينغ. وستركز المباحثات على تعزيز التعاون الاقتصادي وتطوير الشراكة في مجالات الاقتصاد الرقمي والذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة.
وفد رفيع المستوى
يرافق سموه وفد يضم نخبة من المسؤولين الإماراتيين، بينهم:
- سمو الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم – رئيس هيئة الطيران المدني ورئيس طيران الإمارات
- معالي محمد القرقاوي – وزير شؤون مجلس الوزراء
- معالي ريم الهاشمي – وزيرة دولة للتعاون الدولي
- معالي الدكتور أحمد الفلاسي – وزير الرياضة
- معالي عبدالله بن طوق – وزير الاقتصاد
- معالي الدكتور ثاني الزيودي – وزير دولة للتجارة الخارجية
- معالي عمر العلماء – وزير دولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي
وسيزور سموه مدينة مومباي للقاء كبار رجال الأعمال الهنود لتعزيز الشراكات الاقتصادية المستقبلية.
الهند في قلب الإمارات
يعيش الهنود في الإمارات وسط بيئة تشبه وطنهم الأم، فمنذ عام ١٩٨٩، تصدح الأغاني الهندية بلغاتها المختلفة في الإذاعات المحلية، وتصدر ست صحف يومية باللغات الهندية في دبي منذ أكثر من ربع قرن.
كمقيم في هذه الأرض الطيبة لثلاثة عقود، عايشت حفاوة الإمارات بالجالية الهندية. إن زيارة الشيخ حمدان ليست مجرد حدث دبلوماسي، بل احتفاء بتاريخ من الصداقة والتعاون المثمر، وتطلع لمستقبل واعد يبنيه البلدان معًا.