Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
ديانةرأي

يوم الصبر والسلوان

تغمّد الله الشهيد برحمته، ذلك الإنسان البريء الذي راح ضحية ظلمٍ في السادس من ديسمبر لعام 1992م، على أرض غاندي، على يد متطرفين زعموا اتباعهم لمبادئ رجلٍ كان يُعد نموذجًا للشجاعة والأخلاق النبيلة، كما ورد في الملحمة الهندية الخالدة، الرامايانا.

يحظى الإله الهندوسي رام بشعبية غير مسبوقة في الهند، متفوقًا على عدد لا يحصى من الآلهة الأخرى، ويرجع ذلك إلى مكانته كبطل لواحدة من أبرز الملاحم الهندية، الرامايانا. تجسد شخصية رام قيم التسامح والوفاء المطلق لكلمة الأب، والزهد والتقشف الروحي، مقدمًا نموذجًا استثنائيًا في التضحية والإيثار.

غادر رام قصره، تاركًا حقه في العرش لأخيه الأكبر بأمر من والده، وعاش هائمًا في الغابات رفقة زوجته لأكثر من 14 عامًا، حيث تحمل خلالها مختلف صنوف الشدائد والمحن. خطف ملك سريلانكا، راون، زوجته بمكر، فتوجه رام إلى سريلانكا حيث دارت رحى الحرب بين الخير والشر، قدمت هذه الحرب دروسًا وعبرًا للإنسانية في سمو الأخلاق والعفو، إذ سعى رام في محاولاته الأولى إلى تجنب سفك الدماء وتدمير البلاد، وتمكن من الوصول إلى زوجته دون إلحاق الأذى بالناس، وعُرفت الملحمة بتصويرها لرام كمعلم روحاني للهندوس، يدعو إلى الحب والسلام.

ذلك الإنسان البريء الذي عاش في أيودهيا، لم يظلم أحدًا ولم يسلب بيت الرجل الناسك الذي اتخذ الغابة مأوى له، لكن أتباعه ادعوا زورًا أنه ظلمهم واحتل أرضهم وأقام عليها مسكنه. هذا الإنسان البريء الذي لم يعتد على أحد ولم يخض في قتال قط، الذي كان بعيدًا عن العنف والكراهية، والذي كرس حياته لخدمة الإنسانية، داعيًا الناس إلى السلام والأخوة والمحبة والمساواة.

إنسان بريء سعى لإخراج الناس من ظلمات الجهر إلى نور العدالة والحرية، من ظلم الأديان إلى العدل، ومن تفاوت الطبقات إلى مبدأ المساواة، ومن عبودية الإنسان إلى الحرية الشاملة، ومن ضيق الحياة الدنيوية إلى سعة الأفق، ومن التقاليد المتوارثة والقيود البالية إلى الكرامة الإنسانية.

هذا الإنسان البريء استُشهد، واليوم يرقد في تراب أرضه، وقد نُقش على قبره كلمات بلغة لا يعرفها، حُفر اسمه بأحرف غريبة عنه، وتم تغيير مظهر قبره واسمه بواسطة أتباع ذلك الرجل الذي وُلد في قصر وعاش في غابة، لكنهم نسوا أو تناسوا الرسالة التي عاش ينادي بها طوال حياته. ويثور التساؤل: هل سيذكر التاريخ أن تحت ذلك البناء الشامخ يرقد قبر لإنسان بريء مظلوم؟

واليوم، تم وضع الحجر الأساسي لإقامة بناء جديد فوق قبره، يحمل اسم ذلك الرجل الذي وصفه الشاعر الأردي الشهير، محمد إقبال، بـ”إمام الهند”. فهل يستحق الرجل العظيم أن يُبنى بيته على أرض اُغتُصبت من إنسان بريء؟

تغمّد الله الشهيد بواسع رحمته، ذلك الإنسان البريء، وألهم أهله وأتباعه الصبر والسلوان.

اظهر المزيد

الدكتور معراج أحمد الندوي

الأستاذ المساعد، قسم اللغة العربية وآدابها جامعة عالية ،كولكاتا - الهند

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى