Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
أدب

الأبعاد المتعددة لأشعار محيي الدين المولوي

عبد الجليل ك.

الشاعر محيي الدين المولوي الكوتيادي من أبرز العباقرة الذين أنجبتهم ولاية كيرالا الهندية، ورغم عظمة إبداعاته الشعرية، لم يحظَ بالاعتراف والتقدير اللذان يليقان بمكانته الفريدة في عالم الأدب. هذه المحاولة تسعى إلى استعراض الجوانب المتعددة التي تميز أشعاره، وتبرز الأبعاد العميقة والإبداعية في مسيرته الأدبية.

نبذة عن حياة الشاعر

وُلد الشاعر في قرية ناريانتا، القريبة من وانيميل، عام 1921م، بعد إتمام دراسته الابتدائية التحق بالدروس المسجدية، وتلقّى العلم لمدة ثماني سنوات على أيدي كبار العلماء في زمانه، وواصل تعليمه في التعليم العالي بكساركود، ودار العلوم بوزاكاد، ودار السلام بعمراباد.

بدأ مسيرته العملية عام 1949م حيث عمل مدرساً في المسجد الجامع بوانيميل لفترة، ثم انتقل إلى التدريس في عدة كليات، مثل الكلية العالية بكساركود، والكلية الإسلامية بشاندايورام، وكلية الدعوة بكالكوت، والكلية الإسلامية بكوتيادي. كما تولى منصب القاضي في عشرات المساجد بولاية كيرالا.

أولى اللغة العربية اهتماماً بالغاً، فاعتنى بقواعدها نحوًا وبلاغةً وعروضًا وصرفًا، ودقق في قوانينها بدقة وتمحيص، لم تكن تمر عليه قطعة أدبية إلا ويقوم بتهذيبها من الناحية البلاغية والنحوية،كما اشتهر ببراعته في شرح الأشعار الصعبة، وكان التحليل الإعرابي جزءاً أساسياً من أسلوبه في التدريس.

كان يتمتّع بذاكرة قوية، ما مكّنه من حفظ دواوين الشعر العربي القديم، مثل ديوان الحماسة والشوقيات، بالإضافة إلى عدد هائل من القصائد والمقتطفات الشعرية، أذهل أقرانه بغزارة معجمه الشعري، فلم يجد صعوبة في انتقاء الكلمة المناسبة في محلها عند الحاجة.

تشكلت شخصيته الأدبية من عناصر متعددة: الدم الثوري الحركي، والبعد الاجتماعي، ويقول الأستاذ عبد المولوي المنصري: “ما يميز شعره هو الجدية بعيداً عن التسلية والمحاكاة؛ فغالبية أشعاره نابعة من حبه العميق للغة العربية، وفكره الإسلامي، ووعيه الروحي”. كان دائماً يتحدث عن وحدة الأمة، ويرى أن النفاق هو السبب الجذري لتفرقة المسلمين. وقد عانى الشاعر في حياته من المعارك الطائفية والشتائم الإعلامية التي تُراق فيها دماء المسلمين بأيدي المسلمين، كما تناول في أشعاره أسباب التخلف الحضاري للأمة وعوامل نهوضها.

قام بترجمة ديوان “كملا ثريا” إلى اللغة العربية، وكتبت إليه الشاعرة حين كانت تربطهما علاقة وطيدة، قائلة: “يا أخي الفاضل، أرجو أن تؤكد ترجمة أشعاري إلى العربية، ولا أرغب أن يتناولها إلا الأعلام الأجلاء”. كان الشاعر يعارض الشعر الحر الذي يعبّر عن النفس بلا التزام بالقوانين الشعرية، وكانت أشعار كملا ثريا في ديوان “يا الله” شعراً حراً خالياً من القوافي والأوزان التقليدية، مما اضطره إلى ترجمتها إلى الشعر الحر، لكنه شعر عند المراجعة أن ترجمته توحي بأكثر مما في النص الأصلي، ما يدل على تمكنه العميق من اللغة.

جال الشاعر في العديد من البلدان العربية، مثل السعودية، قطر، الكويت، الإمارات، البحرين، لبنان، عُمان، مصر، ليبيا، المغرب، والجزائر، وسّعت هذه الرحلات آفاقه الفكرية، وزودته بمعارف جديدة، وأثناء زيارته للمغرب عندما رأى شجرة التين تفجرت قريحته الشعرية، فأنشد أبياتاً رائعة في وصفها.

ارتبط بعلاقات وثيقة مع علماء مرموقين على الصعيد العالمي، وتميزت أشعاره برنّة عالية وقوة وعمق تستولي على القلوب بعمق إنسانيتها، وتشيع شعوراً بالدوافع النبيلة، وأصبحت أمثاله تُتداول بين الناس. اختلفت أغانيه وتغاريده عن الأغاني الحديثة بلغات مختلفة، وكان له العديد من الأغاني الترحيبية للوفود والأغاني بمناسبة المؤتمرات، ومن أشهر أغانيه: “بَدَت الأمة مع عظيم حلِّ الهوان وحق الوعيد عليها”. قضى ثمانية عقود من عمره، لكنه لم ينزوِ عن الساحة الحركية والثقافية في أي مرحلة، بل واصل نشاطه بحيوية أكبر مما كان عليه من قبل، حتى وافاه الأجل المحتوم في 3/3/2005م.

الأبعاد المتعددة لأشعاره

تُعَدُّ دراسة أشعار محيي الدين المولوي مهمة صعبة، نظراً لتفرقها في طيات دوريات عربية مختلفة، واحتفاظ بعض الأفراد ببعضها، ولم يكن من عادته تدوين نتاجه الأدبي بالكتابة. ومع ذلك تمكنتُ من مراجعة مجموعتين من أشعاره. وقد بدأ حياته الشعرية في دار العلوم بأكوته، التي كانت ملتقى العلماء والأدباء آنذاك. كان يتبادل المراسلات الشعرية مع أمثال الفلكي محمد المولوي، ومن زملائه محيي الدين الأوليائي، والشيخ عبد الله المولوي، وكني سي أبوبكر. وعند مشاركته في حفلات الزواج، كان يمدح العروس والعريس بشعره. طرق العديد من أبواب الشعر، بما في ذلك الهجاء.

يروي الشاعر بداية تجربته الشعرية في لقاء مرتجل في دار السلام بعمراباد، حيث دُعي لإلقاء الشعر في حفلة للطلبة، ولم يكن قد أتم كتابة قصيدته فقال مرتجلاً:

هذا مقامٌ إذا قام الهيامُ به ** مخاطباً لقد ارتجفت فرائصه

يقول في النفس يا ويلاً ويا ندماً ** فكيف هذا غلامٌ قلّت همته

ومن الجدير بالذكر أنه كان يضع عناوين لقصائده، وهي ميزة تُسهِّل تتبع مسيرته الشعرية وملاحظة الظواهر الأدبية بشكل عام.

صب الشاعر أشعاره في قوالب الشعر التقليدي ورسومه الجاهزة. في هذه المرحلة، تأثر بالشعراء القدماء في الصور والتركيب، مما جعل طلاوة المعاني والأفكار تظل متصلة بتراث الأجداد.

ساعدته مشاركته في الأحداث العامة ورحلاته الخارجية على توسيع مفرداته الشعرية، واستخدام تعبيرات مستمدة من ثقافة العصر، ولم تظهر في أشعاره أخطاء لغوية أو آثار للعجمة، لأنه كان يعتبر إهمال قواعد اللغة العربية جناية بحقها. كان يمتلك خيالاً خصباً ويعبر عن ذلك قائلاً:

أنا شاعرٌ يأتيني الخيالُ فأرتدي ** بردتي وأقول ما لا أقوله

فيسوءُ ظنُّ البعض عني إذ أني ** مُنى الخلاعةِ والكلامِ الأرذلِ

تميزت أشعاره بالجزالة والعذوبة والفصاحة والسلاسة، وبلغ في استخدام الاستعارات وروائع التشبيه، وتخصص في فنون البديع، يظهر ذلك عندما أصيب بوعكة حرمته من السفر للمشاركة في فعاليات أخرى فقال:

لحقت بمنزلها القوافلُ إنني ** في البيتِ ملقى والفراشُ بي ينسُ

وبُلبُلٌ مقطوعُ الجناحِ يَرنو ** إلى الغصونِ ولا سبيلَ إلى الأُنسِ

تناول في أشعاره موضوعات متنوعة، من التراثية إلى الحديثة، وتطرق إلى القضايا الاجتماعية والسياسية، في قصيدته عن اغتيال أنديرا غاندي، يقول:

قد توفيتْ أنديرا غاندي بعدوان ** لهفي وهل من قدر حُرّاسُ مهجتها

صرعى وهلكى وكم موتى بسببهم ** قالوا الحياة هنا والموت في ستان

كان من حظه لقاء جلالة الملك فيصل بن عبد العزيز أثناء إقامته في المملكة، وعند مغادرته فوجئ بخبر اغتياله، فتأثر بشدة ونظم الأبيات التالية:

أخطُّ دمعي والبراعةُ مثلُ ** وغادرتنا النجمُ الذي اعتدلَ

بكت كعبةُ الرحمنِ فاض همومها ** تبكي الذي طبع التوحيدَ سِنبَلَهُ

تُروّعُ شهيداً بلسماً طبُّهُ ** صليبُ دنيا تخافُ زوالهُ

شعره واتجاهه الإسلامي

يتجلى الاتجاه الإسلامي بوضوح في أغلب أشعاره، حيث ينطلق من تصور إسلامي في نظرته إلى الكون والإنسان والحياة، وفي تعامله مع القضايا والأحداث والمشكلات والمحن، وفي تعبيره عن العواطف والمشاعر.

يظهر هذا الأثر في اتباعه للاقتباسات والتضمينات، غالباً دون تغيير يُذكر في النص الأصلي، مما يضفي عليها رونقاً خاصاً بفعل القافية. تتبلور في قصائده عواطف جياشة وصور رائعة، وتعكس شخصيته الفنية، خاصة في القصائد الإسلامية التي تعبّر عن خلاصة تجربته في الحياة، حيث نراه صوفياً يقترب من البناء الصوفي.

أدب التضامن مع المضطهدين والمنكوبين (قضية فلسطين وكشمير نموذجاً)

نشرت الجرائد والدوريات الخليجية العديد من أشعاره، وركز بشكل خاص على التضامن مع المنكوبين والمضطهدين على الصعيدين الوطني والعالمي وتعمق في قضية كشمير قائلاً:

كشميرُ يا جنةً هواؤك إنسانُ ** آهٍ أراك جحيماً ذاتَ نيرانِ

آهٍ تدخُلُ في إدراكِ شيطانٍ ** كان ابنَ آدمَ في مئونةِ النيرانِ

أما قضية فلسطين، فقد كانت حاضرة بقوة في أشعاره، حيث تناولها بعمق أدهش القراء العرب، الذين لم يتوقعوا أن شاعراً هندياً يتناول هذه القضية بهذا التفصيل في قصيدته “الصهيونية وفتنتها” فيقول فيها:

هو البيتُ العتيقُ متى العداءُ ** سطوا بالمسجد الأقصى وهذا

هل للمسجد النبويِّ خلاصٌ ** إذا لم يستفيقوا من سباتِ

غواني خدعةِ الصهيونِ عمّت ** وفاضت كالسيولِ الجارفاتِ

وعن “الانتفاضة الفلسطينية”، يقول بكل حرارة وصدق:

برغمٍ أخذوا الحجارَ برميةٍ ** طيرَ أبابيلَ الأعداءِ بصرخةِ

تدفقوا من عرينٍ بعدما قُطّعوا ** وأماتوا لهم أرضاً وإحساسا

عبد السلام فريدٌ عندهم، وكم ** خنساءُ ضحّت بأولادِ شيبانَ

ما كنتِ خائبةً إباءَكِ يا ولدي ** إلا لكونكَ للإسلامِ معولاً

ارتبط بعلاقات وثيقة مع شعراء عرب مرموقين على الصعيد العالمي.

خاتمة

من التحديات التي تواجه الباحث في أشعار محيي الدين المولوي أن معظمها غير مخطوطة، وبعضها محفوظ لدى أفراد ولم يُنشر بعد، لكن هناك بشرى سارة لعشاق الشعر العربي في كيرالا، حيث تعتزم جمعية الطلبة القدامى للكلية الإسلامية بكوتيادي نشر ديوان محيي الدين المولوي قريباً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى