Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
تعليم

الرجل الذي لن ينسى: إسهامات الدكتور فانيا مبادي عبد الرحيم في خدمة اللغة العربية

الدكتور فانيا مبادي عبد الرحيم، الذي يُعرف أيضًا باسم ف. عبد الرحيم، يُعدّ واحدًا من أعظم العلماء اللغويين في العصر الحديث الذين أثروا اللغة العربية وساهموا في نشرها وتطويرها، ولد في 7 مايو 1933م في فانيا مبادي بولاية تاميل نادو جنوب الهند، وتوفي في المدينة المنورة في 19 أكتوبر 2023م. لقد كانت حياة الدكتور عبد الرحيم مليئة بالإنجازات العلمية والأكاديمية التي قدمها في خدمة اللغة العربية، سواء من خلال مؤلفاته أو إسهاماته في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها.

النشأة وبدايات تعليمه

وُلد الدكتور عبد الرحيم في بيئة إسلامية تقليدية، وتلقى تعليمه الأولي في مسجد الحي الذي نشأ فيه. لقد كانت بداياته الدراسية متواضعة حيث تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم، ومع انتقاله إلى المدرسة الإسلامية التابعة للجمعية التربوية المحمدية، بدأ في دراسة المراحل الابتدائية والثانوية، وأظهر اهتمامًا خاصًا باللغة العربية منذ سن مبكرة.

هذا الشغف بالعربية لم يكن عابرًا؛ بل تعمق مع مرور الوقت، خصوصًا عندما بدأ في الاستماع إلى إذاعة “صوت العرب” من القاهرة و”نداء الإسلام” من مكة المكرمة، حيث كان يلتقط كل ما يتعلق باللغة العربية والفكر الإسلامي. ومن هنا، بدأ عبد الرحيم في رحلته الطويلة والمثابرة نحو التخصص في اللغة العربية وآدابها.

التحصيل الأكاديمي

على الرغم من أن نشأته كانت في بيئة تتحدث التاميلية والهندية، إلا أن الدكتور عبد الرحيم أثبت قدرة كبيرة على تعلم اللغات الأخرى، وكان من بين القلائل الذين يتقنون أكثر من 14 لغة. فبعد إكمال دراسته الثانوية، حصل على شهادة ماجستير في اللغة الإنجليزية وآدابها من جامعة مدراس عام 1957م، ورغم حصوله على درجة أكاديمية متقدمة في اللغة الإنجليزيةإلا أنه لم يتخلّ عن شغفه باللغة العربية، فتابع دراسته حتى حصل على شهادة الماجستير في اللغة العربية وآدابها من جامعة عليكرة الإسلامية عام 1963م.

ومع شغفه المتزايد بالعربية، قرر مواصلة دراسته العليا في جامعة الأزهر بالقاهرة، وهو ما تحقق له بعد أن كتب رسالة إلى الرئيس المصري جمال عبد الناصر يطلب فيها السماح له بالدراسة في الأزهر الشريف، وبالفعل تم قبوله والتحق بكلية اللغة العربية في الأزهر، حيث حصل على درجة الماجستير في عام 1966م عن بحثه حول “الكلمات الفارسية المعربة”. ثم واصل دراسته ليحصل على درجة الدكتوراه في عام 1973م، حيث قام بتحقيق ودراسة كتاب “المعرب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم” للإمام أبي منصور الجواليقي.

التدريس والعمل الأكاديمي

بعد حصوله على درجة الدكتوراه، بدأ الدكتور عبد الرحيم مسيرته التدريسية في جامعة أم درمان الإسلامية بالسودان، حيث شغل منصب رئيس قسم اللغة الإنجليزية، لكن شغفه بالعمل في تعليم اللغة العربية دفعه إلى الانتقال إلى المملكة العربية السعودية، حيث عمل في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة. لقد كان له دور بارز في تأسيس شعبة تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وكان المدير الأول لهذه الشعبة، ومن خلال هذه الشعبة أسهم الدكتور عبد الرحيم في إعداد العديد من المناهج التعليمية التي تُدرّس حتى اليوم في مختلف دول العالم.

لم يكن دوره في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة مقتصرًا على التدريس فقط، بل كان يُشرف على العديد من الرسائل الجامعية لطلاب الماجستير والدكتوراه، كما أنه شارك في إعداد برامج تعليمية ودورات تدريبية في تعليم اللغة العربية في دول مختلفة مثل الولايات المتحدة، وألمانيا، وكندا، وباكستان. ومن بين الإنجازات المهمة مشاركته في وضع نظام معهد تعليم اللغة العربية في إندونيسيا تحت رعاية جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.

إسهاماته في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها

يُعتبر الدكتور عبد الرحيم رائدًا في مجال تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، حيث قام بتأليف العديد من الكتب والمناهج التي ساعدت في نشر اللغة العربية بين غير الناطقين بها، وكان من أبرز هذه الكتب كتابه الشهير “دروس اللغة العربية لغير الناطقين بها”، والذي يتكون من ثلاثة أجزاء، ويُعدّ من أشهر الكتب المستخدمة في تعليم اللغة العربية في العالم.

تميّزت مناهج الدكتور عبد الرحيم بالبساطة والوضوح، حيث تم تصميمها بطريقة تجعل المتعلم غير العربي يفهم اللغة بأسلوب سهل ويسير. كان هذا المنهج يُدرس في العديد من الجامعات والمعاهد في الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا وأمريكا، كما تُرجم هذا الكتاب إلى العديد من اللغات مثل الفرنسية، والأردية، والتاميلية، والهندية، مما ساعد على انتشار اللغة العربية بين متحدثي تلك اللغات.

بالإضافة إلى ذلك، ألّف الدكتور عبد الرحيم كتبًا أخرى لتعليم اللغة العربية، مثل “مفتاح دروس اللغة العربية”، و”معجم الكلمات الواردة في دروس اللغة العربية”، و”حل تمارين دروس اللغة العربية”. كل هذه الكتب السابق ذكرها ساهمت في تسهيل تعليم اللغة العربية للطلاب غير الناطقين بها، وأصبحت مرجعًا هامًا في هذا المجال.

إسهاماته في الدراسات اللغوية والمعجمية

لم يكن اهتمام الدكتور عبد الرحيم مقتصرًا على تعليم اللغة العربية فحسب، بل كان له دور كبير في الدراسات اللغوية والمعجمية، حيث كان من أبرز الباحثين الذين تخصصوا في دراسة الكلمات الدخيلة والمعربة في اللغة العربية، ومن بين أعماله الهامة التي جادبها فكره وخطتها أنامه في هذا المجال نجد:

  1. تحقيق كتاب “المعرب من الكلام الأعجمي على حروف المعجم” للجواليقي: يُعتبر هذا التحقيق من الأعمال المهمة التي قام بها الدكتور عبد الرحيم، فالكتاب يُعدّ من أهم المؤلفات التي تناولت موضوع الكلمات الأعجمية التي دخلت اللغة العربية.
  2. “القول الأصيل فيما في العربية من الدخيل”: في هذا الكتاب، جمع الدكتور عبد الرحيم أكثر من 500 كلمة دخيلة لم يذكرها الجواليقي في كتابه. ويُعتبر هذا الكتاب مرجعًا هامًا في دراسة الكلمات الدخيلة في اللغة العربية.
  3. “سواء السبيل إلى ما في العربية من الدخيل”: في هذا الكتاب أضاف الدكتور عبد الرحيم 400 كلمة جديدة إلى موضوع الدخيل في اللغة العربية، مما يعكس اهتمامه الكبير بتوثيق الكلمات التي دخلت العربية من لغات أخرى.
  4. “معجم الدخيل في اللغة العربية الحديثة ولهجاتها”: يُعتبر هذا المعجم من أبرز إسهامات الدكتور عبد الرحيم في مجال اللغويات، حيث جمع فيه نحو 1600 كلمة دخيلة، وقدم دراسة وافية حول الكلمات التي دخلت اللغة العربية في العصور الحديثة.

عمله في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف

في عام 1995م، تم تعيين الدكتور عبد الرحيم مديرًا لمركز الترجمات في مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة. وفي هذا المنصب، أشرف على ترجمة معاني القرآن الكريم إلى أكثر من 77 لغة مختلفة، كان لهذا العمل دور كبير في نشر معاني القرآن الكريم بين غير الناطقين بالعربية في جميع أنحاء العالم.

ظل الدكتور عبد الرحيم في هذا المنصب حتى وفاته في عام 2023، وكان يعتبر دوره في مجمع الملك فهد من أهم مراحل حياته المهنية، حيث ساهم بشكل كبير في خدمة القرآن الكريم ونشره بين المسلمين في مختلف أنحاء العالم.

جوائزه وتكريمه

نظيرًا لإسهاماته الكبيرة في مجال اللغة العربية، حصل الدكتور عبد الرحيم على العديد من الجوائز والتكريمات، ففي عام 1996م، حصل على جائزة رئيس جمهورية الهند لخدمة اللغة العربية، والتي كانت تقديرًا لإسهاماته الكبيرة في نشر اللغة العربية وتعليمها، كما كان يتم تكريمه في العديد من المؤتمرات والندوات العلمية حول العالم.

وفاته وتركته العلمية

توفي الدكتور فانيا مبادي عبد الرحيم في المدينة المنورة يوم 19 أكتوبر 2023م، عن عمر ناهز 90 عامًا، ودُفن في مقبرة البقيع بعد صلاة الجمعة في المسجد النبوي، وبرغم رحيله سيظل إرثه العلمي خالدًا بفضل مؤلفاته وأعماله في مجال اللغة العربية.

إن إسهامات الدكتور عبد الرحيم في اللغة العربية وتعليمها لغير الناطقين بها، إلى جانب دراساته في مجال الدخيل والمعرب، جعلت منه شخصية بارزة في العالم العربي والإسلامي. لقد كان نموذجًا للعالم الذي يكرس حياته لخدمة العلم، وسيظل اسمه محفورًا في ذاكرة محبي اللغة العربية ودارسيها في جميع أنحاء العالم.

خاتمة

يُعتبر الدكتور فانيا مبادي عبد الرحيم، أحد أعلام اللغة العربية في العصر الحديث، مما قدم من إسهامات لا يمكن حصرها في تعليم اللغة العربية ودراستها من خلال مؤلفاته وأبحاثه، ساعد على نشر اللغة العربية في مختلف بقاع الأرض، وأصبح مرجعًا هامًا لكل من يهتم بدراسة اللغة العربية وتعلمها. تظل أعماله وإسهاماته منارة للباحثين والطلاب في مجال اللغة العربية لسنوات قادمة، وسيظل اسمه حيا في ذاكرة كل طالب باحث في مجال الغة العربية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى