مكتبة خودا بخش: مركز الإشعاع الثقافي والحضاري في قلب الهند
هبة الله الغلاييني
في رحلة بحثية عميقة إلى قلب التراث الإسلامي، أخذتني خطواتي عام 2008 إلى دولة الهند، حيث كانت وجهتي مكتبة خودا بخش الوطنية، هذه الجوهرة الثقافية في باتنا. تقع هذه المدينة الساحرة على ضفاف نهر الكنج العريق، وتحتضن المكتبة التي تعد مركزًا حيويًا للمخطوطات الإسلامية.
تتميز مكتبة خودا بخش بموقعها الفريد بالقرب من النهر، مما يضفي عليها سحرًا خاصًا. ورغم تحديات الفيضانات السنوية، استطاعت المكتبة أن تحافظ على كنوزها التاريخية ببراعة. تحتوي على حوالي 18,000 مخطوطة إسلامية، تنقلنا إلى عوالم متنوعة من العربية إلى الفارسية، بل وحتى إلى
صفحات من تاريخ الهند العريق.
تتخذ المكتبة إجراءات متقدمة لحفظ هذه المخطوطات، من تكييف وتحصين ضد الرطوبة، وصولاً إلى تقنيات رقمية لتصوير المخطوطات والحفاظ عليها. وتعد المكتبة الآن بمثابة مركز بحثي يستقطب العلماء من جميع أنحاء العالم، ويقدم لهم فرصة فريدة للاطلاع على ثرواتها الثقافية والفكرية.
من خلال هذه الرحلة، اكتشفت الأبعاد المتعددة للتراث الإسلامي في الهند وأهمية مكتبة خودا بخش كحافظة لهذا التراث. وتبقى المكتبة شاهدة على التقاء الحضارات وتفاعلها، مقدمةً للعالم نموذجًا فريدًا للتنوع الثقافي والعلمي.
وفي ظل تطور المدينة المحيطة، واجهت المكتبة تحديات عدة، خصوصًا مع توسع الطرق وزيادة الحركة المرورية. ولكن، بفضل جهود الحفظ الدؤوبة، تمكنت المكتبة من الحفاظ على مجموعاتها الثمينة بأمان. تتضمن هذه المجموعات مخطوطات نادرة تعكس عظمة الحضارة الإسلامية وتاريخ الهند المجيد.
تستمر مكتبة خودا بخش في تطوير أساليبها لحفظ التراث، من خلال تقنيات حديثة مثل التصوير الرقمي وإدخال المخطوطات في سجلات محوسبة. وهي لا تقتصر على كونها مستودعًا للمخطوطات فحسب، بل تعتبر مركزًا حيويًا للأبحاث والدراسات في مجالات متنوعة تشمل الأدب الإسلامي والعربي والفارسي والأوردي.
بهذا الصدد، تعمل المكتبة على إعداد قوائم ببليوغرافية لتوثيق مجموعاتها وتقديمها للعالم الخارجي. وتلتزم بمشاركة خبراتها مع المؤسسات الأخرى للمساعدة في حفظ هذا التراث المشترك.
تعتبر مكتبة خودا بخش رمزًا للتراث الثقافي والفكري في الهند ومثالًا للتنوع والغنى الذي يمكن أن تقدمه الثقافات المختلفة عندما تتلاقى. وبالنسبة لي، كانت زيارتي لهذه المكتبة تجربة فريدة من نوعها، تعمقت من خلالها في فهم العمق الثقافي والحضاري للهند والعالم الإسلامي.
مع تقدم الوقت، أصبحت المكتبة محورًا للأنشطة الثقافية والتعليمية. تنظم ورش عمل ومحاضرات وندوات تهدف إلى تعزيز الوعي البحثي وتبادل المعرفة على المستويين الوطني والدولي. تشمل المواضيع التي تغطيها هذه الفعاليات الدراسات الإسلامية، الأدب العربي والفارسي والأوردي، التاريخ الإسلامي، والثقافة الهندية في العصور الوسطى.
تؤكد مكتبة خودا بخش على أهميتها كمستودع للتراث الفكري والثقافي لجنوب ووسط آسيا، وكمركز رئيسي لنشر المعرفة حول العالم. تتمتع بماضٍ مجيد، حاضر مزدهر، ومستقبل واعد. تستمر في جذب العلماء والباحثين من جميع أنحاء العالم، مقدمة لهم نافذة فريدة على التاريخ والثقافة الإسلامية.
وفي الختام، تظل زيارتي لمكتبة خودا بخش علامة بارزة في رحلتي الثقافية، حيث شهدت على التزامها العميق بحماية التراث الإسلامي في الهند واكتشفت كنوزها العظيمة التي تروي قصصًا عن ماضٍ عريق وحاضر نابض بالحياة.