الشال الأسود
قصة صغيرة بقلم : شيماء بنت أيوب
قطعة قماش عادية صغيرة سافرت من مكان ما في منطقة كشمير إلى الأرض المقدسة، أرض الحرمين الشريفين في الحجاز، بالمملكة العربية السعودية.
سكنت هذه القطعة من القماش(الشال) في مدينة جدة لفترة طويلة لكنها كانت تواقة إلى تحقيق حلمها وهو أن تزور مكة المكرمة وتزور كعبتها المشرفة .
كانت تتوقع فتنتظر أن يستضاء حظها السعيد بسماع خبر خاص بها وسعيد، فقد انتهت فترة الانتظار أو كادت، إذ أن وقت زيارة الكعبة المشرفة كان قد حان وتتوقع هي أن يتحقق حلمها فهي تتوق إلى تحقق رغبتها وسنوح فرصتها. فكانت مستعدة للسفر بكل مشاعر السعادة في داخلها.
وكانت تنتظر شروق الشمس لكن الشمس في ذلك اليوم كانت كسولة وبطيئة جدًا وكانت تستغرق وقتًا طويلاً في طلوعها وشروقها، ويبدو كأن الدهر يختبر صبرها وكأن الوقت يمتحن جلدها، وهي في داخلها لم تكن قادرة على السيطرة على عواطفها، حتى جعلت سيدها غير مرتاح وأزعجته حتى أيقظته من نومه العميق مبكرا، وهنا كانت المفاجأة حيث عرفت أن سيدها مضطرب وسعيد مثلها للحصول على فرصة لزيارة الأرض المقدسة.
لذلك قبل الانتعاش وغسل الوجه، بدأ سيدها يستعد ويعد احتياجاته اللازمة للسفر. وبدأ يملأ حقيبته بها وكان قلب هذا الشال يخفق خوفا وشوقا، فهل يجد مكانا في داخل الاحتياجات (الأمتعة) اللازمة التي حظيت بدخول هذه الحقيبة وكأنه يقنع نفسه، لقد كان ملازما له منذ بدء سفره من وطنه وفي جميع أسفاره، وكان يحمد الله طول سفره ويدعو ربه للزيارة المقدسة وأخيرا مست يد صاحب الحقيبة هذه القطعة القماشية، فتناولها وأدخلها في الحقيبة فسرت القطعة سرورا بالغا وشكرت ربها على حظها ونصيبها.
كان الشال يعتبر نفسه هو الأكثر حظًا بين الأشياء في داخل الحقيبة؛ إذ كان صاحبه يعتبره أغلى حاجة في العفش إذ كانت هذه القطعة من صناعة يدوية في كشمير وكان صاحبه معجبا به شديدا يلمسه كثيرا وينظر فيه مرارًا.
فكان الشال فخورا به ومغترا بنفسه ولكن لسانه كان ذاكرا لله وشاكرا له على هذه النعمة، فما إن بدأ السفر حتى فقدت قطعة الشال السيطرة على عواطفها وانسكبت الدموع من عينيها وبدأت تفكر كيف ستحمد الله على هذه النعمة.
وتخطط في الأعمال الصغيرة والكبيرة التي تقوم بها وتفعل أثناء السفر، وبدأت تحومها أفكار أنها ستكون تحت قدمي صاحبها وركبتيه حينا وفي يديه حينا آخر، وشعرت بإحساس غبطة حينما وجدت كأنها تحت جبهة صاحبها المحظوظة أثناء سجوده في صلواته في مطاف الكعبة العطر المبارك.
فالأرض الخشنة أو الملساء لا تهمها ولا تزعجها، لأنها أمام أعظم نعمة وهي مكة، أرض الكعبة المشرفة. بدأت الجولة من مدينة جدة إلى أرض مكة، وسافرت مع صاحبها ووصلت إلى أرض الحرم ودخلت الفندق، وأخذت الراحة لفترة قليلة.
لكن عينيها كانتا تتألقان شوقا وتتوقان لزيارة أرض الحرم. بدأ السيد في جمع الأغراض المحظوظة من الحقيبة ليأخذها إلى الحرم.
وكان من بينها بعض الكتيبات للأذكار والأدعية وطبعا الشال الأكثر حظًا. الآن بدأت الرحلة، كان الفندق بعيدًا قليلاً عن المسجد الحرام، وكانت قطعة الشال متحمسة للغاية وكانت دقات قلبها تسير بشكل أسرع بسبب إكمال رغبتها.
بدأت تحمد الله وتقول بعض كلمات الشكر لله فقالت فيها: (سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم). واعتقدت أنها ستكون محظوظة مثل شال النبي صلى الله عليه وسلم أو بردته لزيارة المكان المقدس.
ويا للأسف! لم تكن تعلم أن سيدها من عباد الله الخاطئين. ومع ذلك، تمكنت من التفكير بإيجابية أنه حتى لو كان سيدها آثمًا، إلا أنه أيضًا من بين الأشخاص المحظوظين والمختارين.
فهو القدر الذي يختار الله به من يشاء من عباده ليغفر لهم. كانت كل الأفكار تدور في ذهنها، ولكنها لم تتوقف عن الحمد والشكر لله، كانت تقرأ باستمرار أحب الكلمات إلى الرحمن وأخف الكلمات على اللسان وأثقل الكلمات في الميزان: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم. وأحيانًا تصلي على النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم. وأخيرا وصلت قريبا جدًا من المسجد وكان برج الساعة قريبًا جدًا منها.
دخلت المسجد الحرام ببطء ومشت إلى الكعبة المشرفة ورأت أن الناس الأكثر حظًا من جميع أنحاء العالم كانوا موجودين هناك في الحرم ليشكروا الله على اختيارهم… انتهى وقت الانتظار، كانت دقات قلبها متسارعة جدا كأنها سوف تتوقف في أي وقت، هنا فتح سيدها الحقيبة وأخرجها منها.
بسط قطعة الشال ووضعها في أقدس أرض في جميع أنحاء العالم. وعندما وضعها على الأرض ولمستها، أوقف صاحبها أنفاسه وهي قفزت، ونطقت بكلمة الحمد لله، والآن كانت بداية خططها للوفاء.
وقف عليها سيدها وبدأ يشكر الله، وهي بدورها أيضًا لم تستطع إيقاف نفسها عن شكر الله. بدأ السيد في أداء الصلاة، وعندما أقعد نفسه ووضع جبهته على الأرض في السجدة، بدأت تشعر كأنها أنجزت مهمتها.
رأت الكعبة بيت الله وكان غلاف الكعبة في اللون الأسود وهي تلبس ثيابها من نفس لونها. لكن بضاعتها كانت أرخص وأقل ثمنا من غلاف الكعبة. لكن هذا الأمر لم يجعلها حزينة. كانت من بين أولئك الذين كانوا سعداء بالنعم وليس بين أولئك الذين يشكون دائما على ما ليس لديهم ولا يشكرون أبدا على ما هو عندهم. فشكرت لله مرة أخرى.
فقد تحقق حلمها الأكبر .
هذه قصة الشال الأسود قطعة القماش السعيدة وأنا صديقتها جوارب صاحبها كنت معها طوال الرحلة، وكنت شاهدة على كل اللحظات التي عشتها معها في صحبة صاحبها.
هذا والحمد لله رب العالمين.
(هذه القصة تقع في محور القصص الرمزية والقِصة الرمزية قصة لها أكثر من معنى. ومعظم القصص الرمزية تتضمن معاني أخلاقية أو دينية وهي أيضا عبارة عن أسلوب سردي نوع من الفنون يتم استخدام عدد من الرموز فيه للتعبير عن القصة بشكل غامض ومبهم سواء كان ذلك في الأحداث أو الشخصيات مما يجعل العمل الفني مؤثرا جذابا مثيرا للانتباه.)
شيماء بنت أيوب، هي طالبة في قسم الشريعة والدراسات الإسلامية التابع لكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة الملك عبد العزيز، بجدةوالمملكة العربية السعودية.